الحلقة الرابعة :
وجه الشبه بين الوصيين : وصي موسى هارون ووصي نبينا محمد الامام علي ابن أبي طالب عليهم صلوات ربي أجمعين .
جاء في البخاري (كتاب بدء الخلق) باب غزوة تبوك ، (صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، مسند أحمد بن حنبل ، باب فضائل علي بن أبي طالب : ( إن عليا مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) .
في هذا الحديث شبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام بمنزلة هارون من موسى عدا النبوة .. وهذا يعني بأن كل منزلة ذكرها القرآن الكريم لهارون هي ثابته للإمام علي عدا النبوة .
تعالوا معي نستقصي آيات القرآن التي ذكرت منزلة هارون لنعرف من خلالها على منزلة الامام علي عليه السلام :
* منزلة الوزراة والأخوة والشراكة كما في قوله تعالى ( واجعل لي وزيرا من أهلي .. هارون أخي .. اشدد به أزري .. وأشركه أمري ) .
* منزلة التبليغ كما في قوله تعالى ( اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري .. اذهبا إلى فرعون إنه طغى .. فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يطغى ) .
ومما يؤيد منزلة التبليغ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له جبرئيل عليه السلام ( لا يؤدِّي عنكَ إلا أنت أو رجلٌ منك ) ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي عليه السلام ليلحق بأبي بكر ويأخذ منه سورة براءة ويمضي بها إلى مكة .
* منزلة الاستخلاف كما في قوله تعالى ( وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي ) .
ويؤيد هذه المنزلة قول رسول الله فيه ( لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ) . مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج 1 ص 330 آخر الصفحة .
* منزلة اتيانه الفرقان والهدى والذكر كما في قوله تعالى ( ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ) .
ومما يؤيد هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( علي مع القرآن والقرآن مع علي ) .
* منزلة الرسالة والسلطان المبين كما في قوله تعالى ( ثم ارسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين ) .
وهذا ما أثبته لنا التاريخ للإمام علي عليه السلام من سلطان العلم وسلطان الفصاحة وسلطان الشجاعة والمعاجز الباهرة .
* منزلة النصرة والغلبة واتيان الكتاب والهداية والذكر الجميل عبر العصور وشرف السلام من الله تبارك وتعالى ومقام الاحسان ومقام العبودية والإيمان كما في قوله تعالى ( ولقد مننا على موسى وهارون ، ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ، ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ، وآتيناهما الكتاب المستبين ، وهديناهما الصراط المستقيم ، وتركنا عليهما في الآخرين ، سلام على موسى وهارون ، إنا كذلك نجزي المحسنين ، إنهما من عبادنا المؤمنين ) .
* منزلة الاتباع والطاعة كما في قوله تعالى ( ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) .
والآية الشريفة تنبيه وتحذير لهذه الأمة بأن هناك افتتان سيحصل مع وصي هذه الامة أمير المؤمنين علي عليه السلام كما حصل لوصي أمة موسى عليهما السلام .
افتتان أمة موسى عليه السلام كان في عبادة العجل وأما افتتان هذه الأمة كان في منصب الخلافة والامامة ، وقد كان رد قوم موسى على وصيه هارون ( قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) ، وهكذا الحال مع هذه الأمة حين طالبهم أمير المؤمنين علي بالخلافة والامامة كان ردهم ( لا تجتمع النبوة والامامة في بيت واحد ) ، وما زالوا عاكفين على منهج الاقصاء إلى يومنا هذا وإلى أن يرجع إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن في شخص حفيده الامام المهدي عليه السلام آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بمنهج الخلافة والامامة الصحيحة بعد أن ملأت ظلما وجورا بالعكوف على منهج الاقصاء ، فسبحان الله ما اشبه ذلك اليوم بهذا اليوم .
وتكملة الآية .. ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ) .. سبحان الله وصف الذين تركوا هارون بالضلال ولم يصفهم بالكفر ، فكذلك الحال مع الذين تركوا العترة فقد ضلوا وهو مصداق حديث الثقلين .. ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بييتي .
وبعد عتاب نبي الله موسى عليه السلام لأخيه هارون قال له هارون ( إني خشيت أن تقول فرقت بين بني اسرائيل ) .
فسبحان الله وهذا بالضبط ما خشيه الامام علي عليه السلام عندما رأى القوم معرضين عنه لزم الصبر من أجل وحدة الأمة وخوفا من تفرقها ، وهذا مصداق قول الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة ( وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه . . فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ) . سبحان الله يا له من تشابه .
وهناك أوجه تشابه أخرى سنأتي عليها في الحلقة الآتية إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق