الجمعة، 28 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 8

الحلقة الثامنة : 

وجه التشابه بين أمة النبي موسى عليه السلام وأمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

قال الله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تكونوا كالذين أذوا موسى ) .

فالآية الشريفة واضحة جدا في تحذير الصحابة من أذية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما آذى قوم موسى نبيهم موسى عليه السلام خصوصا في قضية الانقلاب وترك اتباع وصيه هارون ، وقد أراد الله أن ينبه هذه الأمة بالاشارة إلى هذا التشابه لأخذ العظة والعبرة من تلك الأمة المماثلة ، ولكن للأسف مع كل هذا التنبيه وهذا التحذير إلا أن هذه الأمة وقعت في نفس ذلك المحذور وآذوا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالانقلاب على وصيه واتباع غيره ، كما آذوه أيضا بحالة الجفاء والاقصاء للعترة الطاهرة وقتلهم وملاحقتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ) .
وتعبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه العبارة (حذو النعل بالنعل) هو كناية عن دقة التشابه بين الأمتين .

وإليك أخي الكريم بعض المصاديق لوجه التشابه بين الأمتين تصديقا لكتاب الله العزيز وتصديقا لقول رسوله الكريم وهي كما يلي :

1- الاستضعاف
* أمة موسى ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) .
* أمة محمد ( والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) .

2- الهجرة
* أمة موسى ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى )
* أمة محمد ( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) .

3- الابتلاء
وقد تعرض أتباع النبي موسى عليه السلام في مصر إلى العذاب – كما تعرض أتباع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة إلى العذاب.

* أمة موسى ( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) .
* أمة محمد ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) .

4- الافتتان
* أمة موسى ( قال فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ) . وفي موضع آخر ( قالوا ما اخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ) .
* أمة محمد ( ألم .. احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) . وفي موضع آخر ( وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ) .

5- تشابه في صور جهادية :

(أ) انقسم قوم موسى عليه السلام إلى فئتين عندما أمرهم بقتال الجبابرة في معركة العودة إلى وطنهم :
الفئة الأولى مخذلة ( قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) .
والفئة الثانية مؤيدة ومشجعة ( قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) .
وهكذا حصل لأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما شاورهم في قتال قريش في معركة بدر حيث انقسموا إلى فئتين :
الفئة الأولى مخذلة ، حيث قال رجل منهم : يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئة الحرب، وقال رجل آخر نفس مقولة الأول ، أي نفس ما قالته المخذلة من قوم موسى عليه السلام .
والفئة الثانية مؤيدة ومشجعة وهما رجلان من الصحابة المقداد وسعد ابن معاذ نفس ما قاله الرجلان من قوم موسى عليه السلام كما في قوله تعالى ( قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ) .
قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقنا، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )، ولكنّا نقول: امض لأمر ربّك فإنّا معك مقاتلون، فجزاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيراً على قوله ذاك .
وقام سعد بن معاذ ـ وهو من الأنصار ـ فقال: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، إنّا قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله، فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله عزّ وجلّ أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله .

فسبحان الله ما أشبه هذه الصورة بتلك . وكأن الله سبحانه وتعالى أراد من هذه الأمة أن تستفيد من صور التشابه لأخذ العظة والعبرة والمعرفة التامة والقراءة الصحيحة لمواقف الرجال وجلاء الحقائق في مواقف الامتحان والابتلاء ليدركها كل من له أذن واعية وبصيرة ثاقبة .

(ب) تشابه العدد في الجهاد الأول
قاد طالوت جيشا من بني إسرائيل بأمر نبي لهم عدده (313) فردا , وكان عدد المسلمين الذين شاركوا في معركة بدر (313) فردا, وسيكون عدد قادة الجيش للإمام المهدي عليه السلام أيضا (313) قائدا . فسبحان الله حتى في هذه الجزئية جاء التشابه .

6- الانقلاب
* أمة موسى عليه السلام ( فرجع موسى إلى قومه غضبان اسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فاخلفتم موعدي ) .
* أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) .

7- شخصيات مقربة تستفيد من مكانتها وتقود الانقلاب
* في أمة موسى ( قاد الانقلاب السامري ) ، وهذا الرجل لم يكن انسانا عاديا بل كان من المقربين من موسى عليه السلام وكان على قدر كبير من العلم ، وذكرت بعض الروايات بأنه ابن خالة موسى والعجيب في هذا الرجل كما ذكرت بعض الروايات بأن أمه تركته في مغارة جبل وهو طفل صغير وأغلقت فوهة المغارة بصخرة خوفا عليه من فرعون ومن آفات البراري فكان جبرئيل يأتيه ويغذيه حتى كبر وشاء القدر أن يربي فرعون نبي الله موسى ، والسامري يربيه جبرئيل والنتيجة : نبي الله موسى رباه عدو الله فأصبح نبي الله ووليه ، والسامري رباه جبرئيل وأصبح عدوا لله ، فسبحان الله للدهر مواعظ وحكم ومن شاء ارعوى وفهم .

* وفي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم نفس الصورة ، حيث  قاد الانقلاب أصحاب مقربون منه بعد أن رباهم وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف أمثال بني أمية ، وهناك أصحاب رباهم المجوس وعباد النار والمشركون وأصبحوا فيما بعد من أورع وأتقى الأصحاب أمثال سلمان الفارسي وبلال ابن رباح رضي الله عنهما ، فسبحان الله ما أدقه من تشابه .
فمن أراد الحقائق الناصعة لهذه الأمة عليه أن يقرأ بعين البصيرة ما جرى لأمة موسى عليه السلام ويطابقها مع ما جرى لهذه الأمة ليرى شمس الحقيقة تشرق من ذلك الأفق البعيد .

وبهذه الحلقة نختتم هذا الموضوع راجيا أن يكون لله فيه رضا ، ولكم ولنا فيه خير وصلاح .

السبت، 22 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 7

الحلقة السابعة : 

تكملة أوجه التشابه بين الوصيين يوشع ابن نون وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهما السلام ، وسوف ترى مدى دقة التشابه العجيب ، فتأمل بارك الله فيك :

1- يوشع بن نون فتى النبي موسى عليه السلام .. قال الله تعالى ( لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا ) .
علي ابن أبي طالب فتى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. وقد نادى جبرئيل بين السماء والأرض ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي) .

2- أول من آمن بالنبي موسى هو يوشع ابن نون .. وأول من آمن برسول الله هو أمير المؤمنين علي عليه السلام .

3- يوشع ابن نون هو الأعلم بعد النبي موسى .. وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب هو الأعلم بعد رسول الله كما رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أراد العلم ، فليأت الباب - قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد . وفي الإستيعاب عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال : والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر .

4- نصب النبي موسى يوشع ابن نون وصيا في الثامن عشر من شهر ذي الحجة .. ونصب رسول الله الامام علي وصيا يوم الغدير المصادف للثامن عشر من شهر ذي الحجة .

5- الذي غسل النبي موسى هو وصيه يوشع .. والذي غسل رسول الله هو وصيه الامام علي ابن أبي طالب .

6- لم تف أمة موسى لوصيه يوشع ابن نون وتمردوا عليه .. وكذلك الحال مع أمة محمد حيث لم تف لوصيه علي ابن أبي طالب وتمردوا عليه .

7- الفرقة الناجية من أمة موسى هي التي اتبعت وصيه يوشع ابن نون .. فكذلك الحال في امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. فالفرقة الناجية هي التي اتبعت وصيه أمير المؤمنين علي عليه السلام . قال رسول الله «صلى الله عليه وآله : تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة، وهي التي تبعت وصي موسى. وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، واحدة وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهي التي تبعت وصي عيسى. وأمتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، وهي التي تبعت وصيي.

8 - ردت الشمس ليوشع ابن نون في حربه على الجبارين .. وهكذا الحال مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث ردت الشمس له .. في الصواعق المحرقه ...لابن حجر الهيتمي ص161 .. ان الشمس ردت لعلي لما كان راس النبي في حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر فما سرى عنه الا والشمس غربت فقال النبي صلوات الله عليه اللهم انه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فطلعت بعدما غربت ... صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء وحسنه شيخ الاسلام ابو زرعه وتبعه غيره .

وقد أنشد حسان ابن ثابت في هذا الشأن :
لا تقبل التوبة من تائب **** إلّا بحبّ ابن أبي طالب
أخو رسول الله بل صهره **** والصهر لا يعدل بالصاحب
ومن يكن مثل علي وقد **** رُدّت له الشمس من المغرب
ردّت عليه الشمس في ضوئها **** بيضاً كأنّ الشمس لم تغرب

9- يوشع قد صبر بعد وفاة موسى «عليه السلام» في مواجهة ثلاثة من الحكام، ثم قوي أمره.. وهكذا جرى لعلي «عليه السلام»، فإنه صبر مع ثلاثة حكموا الناس بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم قوي أمره، وبويع بالخلافة .

10- عاش الوصي يوشع بعد النبي موسى ثلاثين سنة ، وكذلك الوصي علي عاش بعد النبي محمد بثلاثين سنة .

11- اغتيل الوصي يوشع 17 أو 19 رمضان وفارق الحياة ليلة الحادي والعشرين من رمضان .. وكذلك الامام علي اغتيل في 19 رمضان وفارق الحياة ليلة الحادي والعشرين من رمضان .

12- الوصي يوشع هو أول النقباء الاثنا عشر بعد النبي موسى آخرهم غاب ثم رجع .. الامام علي هو أول الائمة الإثنا عشر آخرهم غاب وسيخرج في آخر الزمان .

13- صفيراء زوجة النبي موسى حاربت وصيه يوشع .. وحميراء زوجة النبي محمد حاربت وصيه علي . وصفيراء غير صافورا بنت شعيب التي قالت لأبيها إن خير من استأجرت القوي الأمين فهي تعد من الحكيمات ذو الرأي السديد ، حيث أن النبي موسى قد تزوج من أربع نساء ومن بينهن هذه الصفيراء التي خرجت على وصيه يوشع بتشجيع من رجلين من بني اسرائيل وقادة الجيش ضد يوشع وقد ركبت زرافة كما ركبت عائشة الجمل وكان تعداد الجيش مشابها لعدد الجيش الذي خرجت به عائشة بتشجيع طلحة والزبير ضد الامام علي . وكان الغلبة في أول النهار للصفيراء على يوشع والغلبة في آخره ليوشع وكذلك الحال مع معركة الجمل حيث كان الغلبة في أول النهار لجيش عائشة وآخر النهار لجيش الامام علي .. وأسرت الصفيراء وعفى عنها يوشع كرامة للنبي موسى وقال لها عفوت عنك في الدنيا وحسابك يوم القيامة على الله وقد ندمت الصفيراء بعد ذلك حتى قالت .. ( وا ويلاه لو أبيحت الجنة لي ولقيت موسى وقد هتكت حرمته ) .. وهكذا الحال مع عائشة عندما وقعت في الأسر عفى عنها أمير المؤمنين علي كرامة لرسول الله وحسابها يوم القيامة على الله ، وقد ذكر التاريخ بأنها ندمت أيضا حتى قالت .. يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا .

وهذا التشابه العجيب لم يحدث عبثا وإنما حذر منه القرآن الكريم في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ) .. فكان من الواجب على طلحة والزبير وعائشة ومن كان في حوزتهم أن يتأملوا في هذه الآية الشريفة ويستفيدوا منها فلو أنهم رجعوا إلى ما صنع قوم موسى بعده بوصيه يوشع لما أقدموا على تلك الفتنة وقد حذرهم رسول الله حين ذكرهم بأوصياء من قبله من الأمم وأن الأمم لم تف لأنبيائها في أوصيائهم ، وقال لهم .. إني مفارقكم عن قريب، وخارج من بين أظهركم، وقد عهدت إلى أمتي في علي بن أبي طالب وإنها لراكبة سنن من قبلها من الأمم في مخالفة وصيي وعصيانه .. وقد حذرهم حين أنزل الامام علي منزلة هارون من موسى وأنزله في حديث آخر منزلة يوشع من موسى .. وقد حذرهم كذلك حين أوصاهم بقوله .. إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي .. وقد حذرهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ) .. وقد أخذ منهم العهد والميثاق بالولاية والطاعة لعلي بعده في غدير خم .. ومع كل هذه التحذيرات والتنبيهات إلا أنهم تمردوا ونقضوا العهود والمواثيق وصدق فيهم رسول الله حين قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم .

وليس العجب ما حدث للجيل الأول لأن الحسد والغيض قد تمكن في قلوبهم للإمام علي حيث كان البلاء والافتتان مباشرا ، إلى جانب أنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية وما زالت بقاياها تراوح أنفسهم ، ولكن العجب من اخواني أهل السنة والجماعة اليوم وهذا الجفاء لعلي وآل علي والميل الواضح لمنهج الأمويين وكأن رسول الله أوصاهم ببني أمية ولم يوصهم بالعترة ، وأنتم قد سمعتم كل هذه الأحاديث وهذه الآيات الشريفة التي تحذر وتنبه من الوقوع فيما وقعت فيه الامم السابقة خصوصا ما وقع لنبي الله موسى من أمته وما وقع لوصيه هارون ووصيه يوشع ابن نون وما هذا التشابه الدقيق إلا من أجل أخذ العبرة والعظة لكي لا نقع فيما وقعت فيه تلك الأمة .. ولكن للأسف مع كل هذا والأمة تكرر ما فعلت تلك الأمم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

فيا أمة الخاتم أعيدوا قراءة التاريخ قراءة منهجية بلحاظ الاستفادة من أحداث ما وقع لسيدنا موسى عليه السلام ووصياه هارون ويوشع عليهما السلام تهتدوا وتفلحوا ، لأنه لا يمكن أن يكرر الله تبارك وتعالى ما جرى لموسى وقومه في القرآن عبثا ولا يمكن أن يقول لنا ( لا تكونوا كالذين آذوا موسى ) عبثا . فالكيس الفطن عندما يقرأ الأحداث التاريخية التي حدثت بعد رسول الله وما حصل لوصيه أمير المؤمنين علي عليه السلام ويطابقها مع أمة موسى وما حدث لوصيه هارون ووصيه يوشع يجد مطابقة حذو النعل بالنعل ويرى الحقائق واضحة كالشمس في رابعة النهار ولكن يجب أن تكون القراءة قراءة تدبر وتجرد من رواسب التاريخ الأموي .

أدعو الله من كل قلبي للجميع بالهداية إنه الهادي إلى سواء السبيل . اللهم واجعل أفئدة من الناس تهوي إلى آل محمد كما هوت إلى آل ابراهيم إنه قريب مجيب .

الجمعة، 21 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 6

الحلقة السادسة :  

لعل الجميع سمع بالحديث المشهور والمجمع عليه لدى الفريقين ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ، ولكن هناك أحاديث غيبت أو أريد لها ذلك :

* عن علي بن مجاهد في تاريخه مسنداً، قال : قال النبي «صلى الله عليه وآله» عند وفاته لعلي «عليه السلام»: ( أنت مني بمنزلة يوشع من موسى ) .

* وفي حديث آخر عن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان الفارسي، سل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من وصيه؟ فسأل سلمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: من كان وصي موسى بن عمران؟ فقال: يوشع بن نون قال: إن وصيي ووارثي ومنجز وعدي علي بن أبي طالب ) . سبط ابن الجوزي: نفس المصدر - ص 43 - والمحب الطبري: والرياض النضرة - ج 2 ص 178. - وأيضا ابن المغازلي، الشافعي المناقب - ص 141.

وكثير من إخواننا أهل السنة والجماعة أنكروا بأن حديث المنزلة في هارون دلالة على الإمامة مبررين ذلك بأنه لو كان رسول الله يريد به الإمامة والخلافة لقال له: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى ، لأن الذي جاء بعده هو يوشع وليس هارون لأنه مات قبل أخيه موسى .
أقول : ماذا لو أن هارون عاش بعد أخيه هل كان غيره وصيه ؟ وهل على الموت معتب وهو للتكليف مانع؟! .. صدقوني من يلتمس الأعذار فلن توقفه الأعذار.. لأن المسألة مرتبطة بمنهج  فمن تبنى منهج الاقصاء لأهل البيت عليهم السلام وتقديم غيرهم عليهم ، فجميع الروايات والأحاديث ستكون سجينة ضمن هذا المنهج ، فأي حديث يخالف هذا المنهج يضطر صاحبه إما إلى التأويل أو التضعيف أو أي شكل من أشكال الإسقاط كي لا يصتدم مع منهجه المختار فيصيبه الاضطراب ويختل معه كل متعلق بذلك المنهج ، وهنا يكمن سر الابتلاء واجتياز العقبة وبه يختبر إيمان الرجال . وما أشده من ابتلاء وامتحان ، رسب فيه الكثير ولم يجتازه إلا القليل .

وإلا فحديث المنزلة في هارون كافي للانسان المجرد من قيود التعصب ، لأن حديث المنزلة له تكملة تثبت به مقام الخلافة والامامة ولكن الأمويون ومن دار في فلكهم عمدوا إلى حذف هذه العبارة وهي:( إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ) .. علما بأن هذا الحديث وبهذه العبارة صححه الحافظ الذهبي المروي عن ابن عباس بأنه قال : وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك فبكى علي، فقال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له أنت ولي على كل مؤمن بعدي ومؤمنة... صحيح . تلخيص الحافظ الذهبي على المستدرك - ج 3 - ص 133 - 134 . ونص الحديث ذكره أحمد في مسنده ج 1 - ص 33.

ناهيك عن هذا الحديث الذي أورده الذهبي في أحوال شريك .. أخرج محمد بن حميد الرازي، عن سلمة الأبرش، عن ابن إسحاق، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب .
وقد حاول جاهدا أن يضعف الراوي محمد بن حميد الرازي مع العلم أن أحمد ابن حنبل والبغوي والطبري وابن معين وثقوه فلا وجه للتضعيف .

وفي رواية أخرى .. قال سلمان الفارسي رضي الله عنه : دخلت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في غمرات الموت، فقلت: يا رسول الله هل أوصيت؟ قال: يا سلمان أتدري من الأوصياء؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: آدم، وكان وصيه شيث، وكان أفضل من تركه بعده [وكان] من ولده، وكان وصي نوح سام، وكان أفضل من تركه بعده، وكان وصي موسى يوشع، وكان أفضل من تركه بعده، [وكان وصي سليمان آصف بن برخيا، وكان أفضل من ترك بعده]، وكان وصي عيسى شمعون بن فرخيا، وكان أفضل من تركه بعده، وإني أوصيت إلى علي، وهو أفضل من أتركه من بعدي .

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما أنزل الله تبارك وتعالى: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) ، والله لقد خرج آدم من الدنيا وقد عاهد قومه على الوفاء لولده شيث، فما وفي له، ولقد خرج نوح من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لوصيه سام، فما وفت أمته، ولقد خرج إبراهيم من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لوصيه إسماعيل، فما وفت أمته، ولقد خرج موسى من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لوصيه يوشع بن نون، فما وفت أمته، ولقد رفع عيسى بن مريم إلى السماء وقد عاهد قومه على الوفاء لوصيه شمعون بن حمون الصفا، فما وفت أمته، وإني مفارقكم عن قريب، وخارج من بين أظهركم، وقد عهدت إلى أمتي في علي بن أبي طالب وإنها لراكبة سنن من قبلها من الأمم في مخالفة وصيي وعصيانه .

ماذا تريد أخي السني أكثر من هذا الوضوح ، لكن مع هذا سأورد لك أخي العزيز مجموعة من أوجه التشابه الدقيقة بين وصي موسى يوشع ابن نون عليهما السلام ووصي رسول الله علي ابن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام في الحلقة الآتية إن شاء الله تعالى ، لعلك به تراجع أو يكون عليك من بلوغ الحجة زاد نافع .

الثلاثاء، 18 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 5

الحلقة الخامسة : 

تكملة وجه التشابه بين الوصيين النبي هارون والامام علي عليهما السلام .

1- أبناء الامام علي عليه السلام من فاطمة الحسن والحسين ومحسن سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال إنما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر ، وأراد بهذا تأكيد المشابهة بين الهارونين وتعميم الشبه بينهما في جميع المنازل وسائر الشؤون .

2- نسل النبوة توقف بموسى عليه السلام وامتدت في أخيه هارون عليه السلام .. والنبوة اختتمت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامتدت الامامة في أخيه الامام علي عليه السلام .

3- كلاهما اشتهرا بالفصاحة .

4- هارون هو الأفضل في قوم موسى بعد نبيها وكذلك الامام علي هو الأفضل في أمة محمد بعد نبيها . وهو مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الامام علي عليه السلام ( ...... فإن وصيي و موضع سري و خير من أتركه بعدي ينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب ) .

5- هارون هو الأعلم في قوم موسى وكذلك الامام علي هو الأعلم في أمة محمد ، وهذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب ) وهذا ما أخرجه المتقي الهندي .

6- هارون هو أحب الناس من قومه إلى الله وإلى نبيه موسى ، وكذلك الحال مع الامام علي فهو أحب الناس إلى الله ورسوله . وهذا مصداق حديث الطير المشوي المروي عن أنس بن مالك حين قدم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرخ مشوي فقال رسول الله : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير . قال: فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي عليه السلام ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة ، ثم جاء ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة ، ثم جاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : افتح ، فدخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما حبسك علي ؟ فقال : إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس ، يزعم إنك على حاجة ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال رسول الله : إن الرجل قد يحب قومه . قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
7- تصوير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وهارون كالفرقدين في السماء والعينين في الوجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر بشئ في أمته عدا النبوة .

أخي المسلم العزيز : هل بعد كل هذا التشابه لم تنفتح أسارير فؤادك أن يهوي إلى آل محمد وترى بنور البصيرة بأن حب آل محمد أبعد من الحب الوجداني الذي يشترك فيه معهم كل المؤمنين ، ولكي تعرف أكثر بأن الحب المطلوب أبعد من الحب الوجداني المجرد ، إقرأ قوله تعالى ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ، هل أدركت الآن بأن الحب هو الاتباع وليس الحب الوجداني فقط كما هو الحال مع حب الأولاد والآباء وسائر المحبوبات .

ولأن الانسان أكثر شيء جدلا قال قائلهم : لو كان يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يكون عليا خليفة من بعده لما قال أنت مني بمنزلة هارون من موسى وإنما قال أنت مني بمنزلة يوشع من موسى .. لأن الذي خلف موسى من بعده هو يوشع ابن نون وليس هارون لأنه مات قبله !!

مهلا أخا الاسلام ماذا لو ثبت بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في علي ( أنت مني بمنزلة يوشع من موسى ) فهل أنت مسلما تسليما أم ستظل أكثر شيء جدلا ؟ هذا ما سنثبته لك في الحلقة الآتية بإذن الله وتسديده ، كما سنريك أيضا أوجه التشابه بينهما حتى لعلك تقف على قدميك من أثر الدهشة . فتابع بارك الله فيك وهدانا وإياك إلى سواء السبيل ، إنه نعم المولى ونعم النصير .

الأحد، 16 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 4

الحلقة الرابعة :  

وجه الشبه بين الوصيين : وصي موسى هارون ووصي نبينا محمد الامام علي ابن أبي طالب عليهم صلوات ربي أجمعين .

جاء في البخاري (كتاب بدء الخلق) باب غزوة تبوك ، (صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، مسند أحمد بن حنبل ، باب فضائل علي بن أبي طالب : ( إن عليا مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) .

في هذا الحديث شبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام بمنزلة هارون من موسى عدا النبوة .. وهذا يعني بأن كل منزلة ذكرها القرآن الكريم لهارون هي ثابته للإمام علي عدا النبوة .

تعالوا معي نستقصي آيات القرآن التي ذكرت منزلة هارون لنعرف من خلالها على منزلة الامام علي عليه السلام :

* منزلة الوزراة والأخوة والشراكة كما في قوله تعالى ( واجعل لي وزيرا من أهلي .. هارون أخي .. اشدد به أزري .. وأشركه أمري ) .

* منزلة التبليغ كما في قوله تعالى ( اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري .. اذهبا إلى فرعون إنه طغى .. فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يطغى ) .
ومما يؤيد منزلة التبليغ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له جبرئيل عليه السلام ( لا يؤدِّي عنكَ إلا أنت أو رجلٌ منك ) ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي عليه السلام ليلحق بأبي بكر ويأخذ منه سورة براءة ويمضي بها إلى مكة .

* منزلة الاستخلاف كما في قوله تعالى ( وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي ) .
ويؤيد هذه المنزلة قول رسول الله فيه ( لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ) . مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج 1 ص 330 آخر الصفحة .

* منزلة اتيانه الفرقان والهدى والذكر كما في قوله تعالى ( ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ) .
ومما يؤيد هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( علي مع القرآن والقرآن مع علي ) .

* منزلة الرسالة والسلطان المبين كما في قوله تعالى ( ثم ارسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين ) .
وهذا ما أثبته لنا التاريخ للإمام علي عليه السلام من سلطان العلم وسلطان الفصاحة وسلطان الشجاعة والمعاجز الباهرة .

* منزلة النصرة والغلبة واتيان الكتاب والهداية والذكر الجميل عبر العصور وشرف السلام من الله تبارك وتعالى ومقام الاحسان ومقام العبودية والإيمان كما في قوله تعالى ( ولقد مننا على موسى وهارون ، ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ، ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ، وآتيناهما الكتاب المستبين ، وهديناهما الصراط المستقيم ، وتركنا عليهما في الآخرين ، سلام على موسى وهارون ، إنا كذلك نجزي المحسنين ، إنهما من عبادنا المؤمنين ) .

* منزلة الاتباع والطاعة كما في قوله تعالى ( ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) .
والآية الشريفة تنبيه وتحذير لهذه الأمة بأن هناك افتتان سيحصل مع وصي هذه الامة أمير المؤمنين علي عليه السلام كما حصل لوصي أمة موسى عليهما السلام .

افتتان أمة موسى عليه السلام كان في عبادة العجل وأما افتتان هذه الأمة كان في منصب الخلافة والامامة ، وقد كان رد قوم موسى على وصيه هارون ( قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) ، وهكذا الحال مع هذه الأمة حين طالبهم أمير المؤمنين علي بالخلافة والامامة كان ردهم ( لا تجتمع النبوة والامامة في بيت واحد ) ، وما زالوا عاكفين على منهج الاقصاء إلى يومنا هذا وإلى أن يرجع إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن في شخص حفيده الامام المهدي عليه السلام آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بمنهج الخلافة والامامة الصحيحة بعد أن ملأت ظلما وجورا بالعكوف على منهج الاقصاء ، فسبحان الله ما اشبه ذلك اليوم بهذا اليوم .

وتكملة الآية .. ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ) .. سبحان الله وصف الذين تركوا هارون بالضلال ولم يصفهم بالكفر ، فكذلك الحال مع الذين تركوا العترة فقد ضلوا وهو مصداق حديث الثقلين .. ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بييتي .

وبعد عتاب نبي الله موسى عليه السلام لأخيه هارون قال له هارون ( إني خشيت أن تقول فرقت بين بني اسرائيل ) .
فسبحان الله وهذا بالضبط ما خشيه الامام علي عليه السلام عندما رأى القوم معرضين عنه لزم الصبر من أجل وحدة الأمة وخوفا من تفرقها ، وهذا مصداق قول الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة ( وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه . . فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ) . سبحان الله يا له من تشابه .

وهناك أوجه تشابه أخرى سنأتي عليها في الحلقة الآتية إن شاء الله .

الجمعة، 14 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 3

الحلقة الثالثة : 

وجه الشبه بين نبي الله موسى عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

قال الله تعالى ( إنَّا أرْسَلنَا إليْكُمْ رَسُولا شاَهِدًا عَليْكُمْ كَمَا أرْسَلنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولا ) .

الآية الشريفة تشبه ارسال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومه كما أرسل النبي موسى عليه السلام إلى قومه . وهذه لمحة فتحت الباب أمامنا لنستلهم منها نقاط أخرى من التشابه وهي كما يلي :

1- نشأ النبي موسى عليه السلام يتيما بعيدا عن أهله .. ونشأ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتيما بعيدا عن أهله .

2- كان النبي موسى عليه السلام مهددا بالقتل طفلا من قبل فرعون .. وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مهددا بالقتل صغيرا من قبل اليهود .
3- كلاهما سبب زواجهما الأمانة . فنبي الله موسى عليه السلام قالت فيه بنت شعيب إن خير من استأجرت القوي الأمين .. والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يعمل في تجارة السيدة خديجة فكانت الأمانة الصفة البارزة للزواج المبارك .

4- كان النبي موسى عليه السلام راعيا للغنم .. وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كذلك راعيا للغنم .

5- استضعف فرعون والأقباط نبي الله موسى وبني اسرائيل حتى ساموهم سوء العذاب .. وكذلك استضعف كفار قريش وأبو سفيان النبي محمد وأصحابه حتى ساموهم سوء العذاب .

6- هاجر النبي موسى عليه السلام بقومه من مصر إلى مدين .. وهاجر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقومه من مكة إلى المدينة .

7- خرج فرعون وقومه خلف النبي موسى لقتاله فانتصر عليهم النبي موسى .. وخرج كفار قريش خلف رسول الله لقتاله فانتصر عليهم .

8- مدة هجرة نبي الله موسى عليه السلام في مدين عشر حجج أي عشر سنوات قمرية .. وكذلك مدة هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عشرة سنوات .

9- كلاهما من أولي العزم .

10- كلاهما لاقى المصاعب والمشاكل مع أصحابه.. فنبي الله موسى انقلب أصحابه على وصيه هارون بعد ذهابه للمناجاة واستضعفوه وتركوه واتبعوا السامري ، وكذلك النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ابتلى بالمنافقين وانقلاب أصحابه على وصيه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب واستضعفوه واتبعوا غيره .

11- كلاهما لهما موقف مع الجبل .. نبي الله موسى بالمناجاة .. والنبي محمد بالتعبد ولقاء الوحي .

12- كلاهما لهما موقف مع الصخرة .. فنبي الله موسى ضرب الحجر فانبجست منه اثنتا عشر عينا .. والنبي محمد ضرب الصخرة حتى رأى قصور الشام والمدائن وأبواب صنعاء .

13- كلاهما لهما موقف مع الوحي المباشر .. فنبي الله موسى كلمه الله تكليما .. والنبي محمد كلمه الله حين عرج به إلى السماء حتى قاب قوسين أو أدنى .

14- للنبي موسى اثنا عشر نقيبا .. وللنبي محمد اثنا عشر إماما .

15- امتداد النبوة توقف في عقب النبي موسى وامتدت في عقب أخيه هارون .. وكذلك الحال مع النبي محمد حيث اختتمت النبوة به وامتدت الامامة في عقب أخيه أمير المؤمنين علي عليه السلام .

ولعل هناك نقاط تشابه أخرى تستطيع أخي القاريء الكريم أن تكتشفها بنفسك من خلال التدبر والتأمل في آيات الله الشريفة وفي السيرة المباركة لهما . وسنأتي على بقية نقاط التشابه في المشاركات القادمة إن شاء الله تعالى ..

الخميس، 13 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 2

الحلقة الثانية : 

طرحنا في الحلقة السابقة هذا السؤال .. ما الحكمة من ذكر قصة نبي الله موسى عليه السلام في عدة مواضع في القرآن حتى بلغت ما يقارب 50 مرة تقريبا ؟

الجواب :

الحكمة من ذلك هو الاحاطة بالأحداث التي وقعت في ذلك الزمن لنستلهم منها الاشارة إلى ما سيقع لهذه الأمة من أحداث تشابه تلك الأحداث ونستخلص منها العبرة والعظة والحيطة كي لا نكرر أخطاءها ، ونزن ما حدث في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموقف القرآن الكريم من شبيهها من أحداث ذلك الزمان .  

تعال معي لنتعرف على أوجه التشابه بين الأمتين من جهة الأحداث والمواقف والشخصيات بشكل موجز :

1- وجه الشبه بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والنبي موسى عليه السلام .
2- وجه الشبه بين هارون هذه الأمة وهو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام وهارون تلك الأمة عليه السلام وما جرى عليهما .
3- وجه الشبه بين أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين أمة موسى عليه السلام .
4- وجه الشبه بين فرعون تلك الأمة وفرعون هذه الأمة .
5- وجه الشبه بين مؤمن فرعون ومؤمن قريش .
6- وجه الشبه بين الاثنا عشر نقيبا من قوم نبي الله موسى عليهم السلام والاثنا عشر وصيا من قوم النبي محمد عليهم الصلاة والسلام .
7- وجه الشبه بين استضعاف قوم موسى من قبل فرعون واستضعاف أمة محمد من قبل كفار قريش .
8- وجه الشبه بين انقلاب أصحاب موسى على وصيه هارون واستضعافه واتباع غيره وانقلاب أصحاب محمد على وصيه الامام علي واستضعافه واتباع غيره .
9- وجه الشبه فيما جرى على يوشع ابن نون وصي موسى بعد وفاته وما جرى على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وصي الرسول بعد وفاته .
10- موقف زوجة نبي الله موسى المسماة بصفراء مع رجلين من بني اسرائيل وقيادتها جيشا ضد وصيه يوشع ابن نون وركوبها الزرافة وموقف زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي سماها بالحميراء وهو تصغير حمراء مع رجلين من قريش وقيادتها جيشا ضد وصي رسول الله الامام علي وركوبها الجمل .

وهناك أوجه تشابه أخرى تستطيع أن تكتشفها بنفسك لو تدبرت وتمعنت وتأملت كالسامري وغيره .

وليس الهدف من عرض هذه الأحداث هو النيل أو التعرض لأي أحد من الرموز أو غيره وإنما الهدف هو التعرف على الأحداث وما يشابهها من أحداث وقعت في عصر النبي موسى عليه السلام  ووزنها بموقف القرآن منها ومن خلال ذلك يعرف الحق من الباطل ، وترتفع الشبهة ويكون موقفك من أي حدث منسجما مع موقف القرآن الكريم ، والعواطف لا مكان لها في البحث عن الحق لأن الأمور إذا وزنت بالعواطف ضاعت معالمها .
   
هذا ما أردنا أن نعرضه على وجه الاختصار وفي المشاركات القادمة إن شاء الله سنأتي عليها بالتفصيل بحوله وقوته وتسديده ، فتابع معنا أنار الله قلبك بنوره الأبهج .  

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 1

الحلقة الأولى : 

هذا الموضوع شاركت به اخواني أهل السنة والجماعة في أحد منتدياتهم الحوارية أطرحه عليكم هنا لتعم الفائدة راجيا من المولى العلي القدير العون والسداد .

المقصود من وجه التشابه بين الأمتين هو تشابه الوقائع والأحداث والشخصيات بين زمان نبي الله موسى عليه السلام وبين زمان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

نبدأ هذا الموضوع ببعض التساؤلات :

ما الحكمة من ذكر قصة نبي الله موسى عليه السلام مع قومه في عدة مواضع في  القرآن حتى بلغ ذكرها 50 مرة تقريبا ؟!!

وكما تعلمون فإن الغاية من ذكر القصص القرآنية هو من أجل العبرة والعظة والتدبر كما قال الله تعالى ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) وقوله تعالى ( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) .

ما وجه العظة والعبرة في هذا التشابه وماذا تستفيد الأمة منه ؟

هذه بعض التساؤلات ومقدمة لمفاجأة ستجدها إن شاء الله في ثنايا جواب هذه التساؤلات في الحلقات الآتية لتتعرف أكثر على مناط الحكمة من تعدد موارد ذكر قصة نبي الله موسى عليه السلام وقومه .

فلنتابع سويا حلقات هذا الموضوع لعلنا نجد بعض الفائدة ونضيف إلى رصيدنا قبسا من هدى أو ذكرا بعد غفلة أو صيدا من حكمة وهدى الله غاية العارفين وسبيل الباحثين .  

الجمعة، 7 يونيو 2013

الصلاة الابراهيمية مختبر إيمانك – حلقة 4

الحلقة الرابعة :

وقفنا في الحلقة الماضية على هذا السؤال : من هم آل محمد الذين أمرنا الله تعالى بالصلاة عليهم ؟

الجواب :

قبل أن نتعرف على من هم آل محمد ؟ يجب أن نتعرف على من هم آل إبراهيم ؟ وذلك لاشتراكهما في الصلاة ، عليهم صلوات ربي أجمعين .  

آل إبراهيم :

صفوة التفاسير ( آل ابراهيم هم عشيرته وذوي قرباه وهم إِسماعيل وإِسحاق والأنبياء من أولادهما ومن جملتهم خاتم المرسلين ) .
تفسير الزمخشري ( آل ابرهيم هم اسماعيل واسحاق وأولادهما ) .
مقاتل ( آل ابراهيم هم اسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط ) .

تكملت الآية الشريفة توضح معنى الآل في قوله تعالى :
( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )

بعد أن تعرفنا من هم آل ابراهيم من أمهات التفاسير ، تعال الآن معي أخي العزيز نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخبرنا هو بنفسه من هم آل محمد ؟

الجواب :

روى أحمد بن حنبل في " المسند " ( 6 / 323 ) ح / حدثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا علي بن زيد ، عن شهر ابن حوشب ، عن أم سلمة أن رسول الله قال لفاطمة الزهراء : " ايتني بزوجك وابنيك " فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكيا ، قال : ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد " قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي ، و قال : إنك على خير ".

روى الطبراني في " المعجم الكبير " ( 23 / 336 ) ح / 780 حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري ، ثنا حوثرة بن أشرس ، ثنا عقبة ابن عبد الله الرفاعي ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، أن رسول الله قال لفاطمة : " ائتيني بزوجك وابنيك " فجاءت بهم فألقى عليهم رسول الله كساء ثم قال : " اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلوتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

واعلم أخي العزيز بأن القرائن هي التي تحدد المورد ولا يجوز الخروج عليه ما دام المحدد هو المعصوم لأن العبادة توقيفية وليس بالهوى والاستحسان وإلا جعلت إلهك هواك فانتبه .. فعندما يثبت بأن الرسول قد حدد من هؤلاء الذين نصلي عليهم بالصلاة الابراهيمة فلا يحق لنا ادخال غيرهم إلا بدليل آخر .. فهل ورد عن رسول الله بأن المقصود من آل محمد هم أتباعه .

ومن أمثلة القرائن التي تعرف بها خصوص المورد إليك هذه الآية الشريفة مخاطبا الله فيها نبيه يوسف عليه السلام بقوله ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتمُّ نعمتهُ عليك وعلى آل يعقوب، كما أتمها على أبويكَ من قبلُ إبراهيمَ وإسحاقَ ) . فهل تفسر آل يعقوب هنا بالأتباع وقد ذكر بأن النعمة هي نعمة الاختيار والاجتباء والاصطفاء بالنبوة والعلم كما أتمها على أبائه ابراهيم واسحاق ، فلا يستقيم المعنى مع الأتباع وإلا لكان الاتباع جميعهم أنبياء بنعمة الاجتباء والعلم . وهذا غير صحيح . فافهم رعاك الله وتمعن .

ولكي تعرف أكثر من هم آل محمد .. إليك هذه الروايات لعل الغفلة بها تزول :

الأولى : ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يؤتى بالنخل عند صرامه فيجيء هذا بتمره وهذا بتمره حتى يصير عنده كوم من تمر فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر ، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه ، فنظر إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال : أعلمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة . فلو كان المقصود من آل محمد هو الأتباع فإن هذا الحكم لا يستقيم لأن الصدقة تجوز على سائر الأمة وعليه يكون تفسير آل محمد على أتباعه غير ناهض وغير صحيح .

الثانية : ما ورد في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها :أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلي الله عليه وسلم . فقال : أبو بكر رضي الله عنه : إن رسول الله صلي عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال . يعني مال الله . ليس لهم أن يزيدوا علي المأكل .
صحيح البخاري مع الفتح ك فضائل الصحابة باب مناقب قرابة الرسول صلي الله عليه وسلم (7/77) حديث (3711) .
هكذا فهم الخليفة أبو بكر معنى آل محمد بأنه خاص بذريته لا بأتباعه .

الثالثة : ما رواه مسلم أيضاً من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد – فذكر الحديث – وقال فيه فأخذ النبي صلي الله عليه وسلم الكبش ، فأضجعه ، ثم ذبحه ثم قال : بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد ، ثم ضحى .
صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الأضاحي باب الضحية وذبحها مباشرة (13/130) حديث (1967) .
وفي هذا الحديث ميز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الآل عن بقية الأمة حين قال : اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد .. فهذا يعني أن آل محمد غير أمة محمد وأتباعه . فافهم إن كنت للحق طالبا .

ولكن الحاسدين لآل محمد لم يقر لهم بال حتى يضيعوا كل فضيلة ميزهم الله بها ، إما بتحريف مضانها الصحيحة أو تأويلها وإذا لم يجدوا قللوا من شأنها ونزعوا منها الخصوصية وجعلوها عامة ، لذا فسروا الآل هنا بالأتباع كما جاء في رواية عبد الرزاق في مصنفه (2\214): قال سمعت رجلاً سأل الثوري عن قوله ( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ) ، فقال للثوري: «من آل محمد؟». فقال: «اختُلِفَ فيهم: فمنهم من قال آل محمد أهل بيته، ومنهم من يقول من أطاعه». وقال الراوي : بل الثاني هو الصواب يقيناً ، ولا أدري لماذا اختار الثاني رغم ما جاء في رواية شيخهم أحمد ابن حنبل الذي قال: بأن المقصود من آل محمد هم علي وفاطمة والحسنان . ورغم كل الوصايا التي وصاهم رسول الله بها وحذرهم القرآن الكريم في قوله تعالى ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما ) ، حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية .. نحن الناس دون الناس .

ولكن المنهج الأموي العدائي الحاسد لآل محمد جعلهم يميلون إلى الاختيار الآخر .. وصدق الخليل ابن أحمد عندما سئل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً ، و أخفاها محبوه خوفاً ، وظهر من بين ذين و ذين ما ملأ الخافقين ! .

وبسبب هذا المنهج تركت الأمة الثقل الثاني وهم العترة حين قال : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، فحذاري حذاري أخي العزيز عندما تختار منهجك فكر فيه ألف مرة قبل صيامك وقبل صلاتك .. لأن ما سيأتي بعده يعتمد على ما قبله فإن كان الأول صحيح كان ما بعده صحيح والعكس بالعكس ، لهذا أصبح اختيار المنهج هو الأخطر ، ولهذا يذكرنا الله في كل صلاة بقوله : (اهدنا الصراط المستقيم) .. فانظر وتمعن وتدبر تتبصر ، حتى لا يأتي ذلك اليوم الذي تقول فيه: ( يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا .. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ) .
فلا أدري متى ينجلي ليل هذه الأمة وينكشف نور صباحها بأنوار آل محمد وبنور الإمام المهدي من آل محمد الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بالامامة المهجورة بعد أن ملأت ظلما وجورا بغير الامامة .

لك الله يا أمير المؤمنين علي ويا هارون هذه الأمة .. ضحيت من أجل نجاتهم .. وضحوا من أجل اقصائك وجفاء أولادك فكان الصبر رداؤك ، فصرت جميلا في صبرك كما كنت جميلا في شجاعتك . وصدق الرسول الأكرم حين أنزلك منزلة هارون من موسى ليشير إلى وجه التشابه بينهما : فالنبوة وقفت عند النبي موسى واستمرت في نسل أخيه هارون ، كما هو الحال في نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث اختتمت النبوة به واستمرت الامامة في أخيه الامام علي .. وعندما ذهب موسى إلى المناجاة وخلف فيهم أخيه هارون تركه قومه واستضعفوه .. كما هو الحال مع هذه أمة محمد حين تركت الامام علي واستضعفوه ، فما أشبه تلك الأمة بهذه الأمة ، ولهذا التشابه تعرف الحكمة من تكرار قصة موسى وأخيه هارون مع قومهما بني اسرائيل في القرآن الكريم وسأفرد موضوعا مستقلا حول وجه التشابه بين الأمتين أمة موسى وأمة محمد إن شاء الله تعالى .

جاء في الحديث الصحيح، وفي الحديث الذي رواه أحمد ومسلم عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً: {إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من بني إسماعيل كنانة، ثم اصطفى من كنانة قريشاً، ثم اصطفى من قريش بني هاشم، ثم اصطفاني من بني هاشم ، فعجبي لهذه الأمة .. رسولها يقول لها بأن الله اصطفى بني هاشم من قريش فترفض ما اصطفاه الله وتأخذ بما اصطفاه الناس .

ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

وبهذه الحلقة نختم هذا الموضوع راجيا أن يكون لله فيه رضا ولنا ولكم فيه خير وصلاح .

محبكم صالح عبدالله