الحلقة الرابعة :
وقفنا في الحلقة الماضية على هذا السؤال : من هم آل محمد الذين أمرنا الله تعالى بالصلاة عليهم ؟
الجواب :
قبل أن نتعرف على من هم آل محمد ؟ يجب أن نتعرف على من هم آل إبراهيم ؟ وذلك لاشتراكهما في الصلاة ، عليهم صلوات ربي أجمعين .
آل إبراهيم :
صفوة التفاسير ( آل ابراهيم هم عشيرته وذوي قرباه وهم إِسماعيل وإِسحاق والأنبياء من أولادهما ومن جملتهم خاتم المرسلين ) .
تفسير الزمخشري ( آل ابرهيم هم اسماعيل واسحاق وأولادهما ) .
مقاتل ( آل ابراهيم هم اسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط ) .
تكملت الآية الشريفة توضح معنى الآل في قوله تعالى :
( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
بعد أن تعرفنا من هم آل ابراهيم من أمهات التفاسير ، تعال الآن معي أخي العزيز نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخبرنا هو بنفسه من هم آل محمد ؟
الجواب :
روى أحمد بن حنبل في " المسند " ( 6 / 323 ) ح / حدثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا علي بن زيد ، عن شهر ابن حوشب ، عن أم سلمة أن رسول الله قال لفاطمة الزهراء : " ايتني بزوجك وابنيك " فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكيا ، قال : ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد " قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي ، و قال : إنك على خير ".
روى الطبراني في " المعجم الكبير " ( 23 / 336 ) ح / 780 حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري ، ثنا حوثرة بن أشرس ، ثنا عقبة ابن عبد الله الرفاعي ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، أن رسول الله قال لفاطمة : " ائتيني بزوجك وابنيك " فجاءت بهم فألقى عليهم رسول الله كساء ثم قال : " اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلوتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
واعلم أخي العزيز بأن القرائن هي التي تحدد المورد ولا يجوز الخروج عليه ما دام المحدد هو المعصوم لأن العبادة توقيفية وليس بالهوى والاستحسان وإلا جعلت إلهك هواك فانتبه .. فعندما يثبت بأن الرسول قد حدد من هؤلاء الذين نصلي عليهم بالصلاة الابراهيمة فلا يحق لنا ادخال غيرهم إلا بدليل آخر .. فهل ورد عن رسول الله بأن المقصود من آل محمد هم أتباعه .
ومن أمثلة القرائن التي تعرف بها خصوص المورد إليك هذه الآية الشريفة مخاطبا الله فيها نبيه يوسف عليه السلام بقوله ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتمُّ نعمتهُ عليك وعلى آل يعقوب، كما أتمها على أبويكَ من قبلُ إبراهيمَ وإسحاقَ ) . فهل تفسر آل يعقوب هنا بالأتباع وقد ذكر بأن النعمة هي نعمة الاختيار والاجتباء والاصطفاء بالنبوة والعلم كما أتمها على أبائه ابراهيم واسحاق ، فلا يستقيم المعنى مع الأتباع وإلا لكان الاتباع جميعهم أنبياء بنعمة الاجتباء والعلم . وهذا غير صحيح . فافهم رعاك الله وتمعن .
ولكي تعرف أكثر من هم آل محمد .. إليك هذه الروايات لعل الغفلة بها تزول :
الأولى : ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يؤتى بالنخل عند صرامه فيجيء هذا بتمره وهذا بتمره حتى يصير عنده كوم من تمر فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر ، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه ، فنظر إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال : أعلمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة . فلو كان المقصود من آل محمد هو الأتباع فإن هذا الحكم لا يستقيم لأن الصدقة تجوز على سائر الأمة وعليه يكون تفسير آل محمد على أتباعه غير ناهض وغير صحيح .
الثانية : ما ورد في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها :أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلي الله عليه وسلم . فقال : أبو بكر رضي الله عنه : إن رسول الله صلي عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال . يعني مال الله . ليس لهم أن يزيدوا علي المأكل .
صحيح البخاري مع الفتح ك فضائل الصحابة باب مناقب قرابة الرسول صلي الله عليه وسلم (7/77) حديث (3711) .
هكذا فهم الخليفة أبو بكر معنى آل محمد بأنه خاص بذريته لا بأتباعه .
الثالثة : ما رواه مسلم أيضاً من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد – فذكر الحديث – وقال فيه فأخذ النبي صلي الله عليه وسلم الكبش ، فأضجعه ، ثم ذبحه ثم قال : بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد ، ثم ضحى .
صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الأضاحي باب الضحية وذبحها مباشرة (13/130) حديث (1967) .
وفي هذا الحديث ميز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الآل عن بقية الأمة حين قال : اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد .. فهذا يعني أن آل محمد غير أمة محمد وأتباعه . فافهم إن كنت للحق طالبا .
ولكن الحاسدين لآل محمد لم يقر لهم بال حتى يضيعوا كل فضيلة ميزهم الله بها ، إما بتحريف مضانها الصحيحة أو تأويلها وإذا لم يجدوا قللوا من شأنها ونزعوا منها الخصوصية وجعلوها عامة ، لذا فسروا الآل هنا بالأتباع كما جاء في رواية عبد الرزاق في مصنفه (2\214): قال سمعت رجلاً سأل الثوري عن قوله ( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ) ، فقال للثوري: «من آل محمد؟». فقال: «اختُلِفَ فيهم: فمنهم من قال آل محمد أهل بيته، ومنهم من يقول من أطاعه». وقال الراوي : بل الثاني هو الصواب يقيناً ، ولا أدري لماذا اختار الثاني رغم ما جاء في رواية شيخهم أحمد ابن حنبل الذي قال: بأن المقصود من آل محمد هم علي وفاطمة والحسنان . ورغم كل الوصايا التي وصاهم رسول الله بها وحذرهم القرآن الكريم في قوله تعالى ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما ) ، حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية .. نحن الناس دون الناس .
ولكن المنهج الأموي العدائي الحاسد لآل محمد جعلهم يميلون إلى الاختيار الآخر .. وصدق الخليل ابن أحمد عندما سئل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً ، و أخفاها محبوه خوفاً ، وظهر من بين ذين و ذين ما ملأ الخافقين ! .
وبسبب هذا المنهج تركت الأمة الثقل الثاني وهم العترة حين قال : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، فحذاري حذاري أخي العزيز عندما تختار منهجك فكر فيه ألف مرة قبل صيامك وقبل صلاتك .. لأن ما سيأتي بعده يعتمد على ما قبله فإن كان الأول صحيح كان ما بعده صحيح والعكس بالعكس ، لهذا أصبح اختيار المنهج هو الأخطر ، ولهذا يذكرنا الله في كل صلاة بقوله : (اهدنا الصراط المستقيم) .. فانظر وتمعن وتدبر تتبصر ، حتى لا يأتي ذلك اليوم الذي تقول فيه: ( يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا .. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ) .
فلا أدري متى ينجلي ليل هذه الأمة وينكشف نور صباحها بأنوار آل محمد وبنور الإمام المهدي من آل محمد الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بالامامة المهجورة بعد أن ملأت ظلما وجورا بغير الامامة .
لك الله يا أمير المؤمنين علي ويا هارون هذه الأمة .. ضحيت من أجل نجاتهم .. وضحوا من أجل اقصائك وجفاء أولادك فكان الصبر رداؤك ، فصرت جميلا في صبرك كما كنت جميلا في شجاعتك . وصدق الرسول الأكرم حين أنزلك منزلة هارون من موسى ليشير إلى وجه التشابه بينهما : فالنبوة وقفت عند النبي موسى واستمرت في نسل أخيه هارون ، كما هو الحال في نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث اختتمت النبوة به واستمرت الامامة في أخيه الامام علي .. وعندما ذهب موسى إلى المناجاة وخلف فيهم أخيه هارون تركه قومه واستضعفوه .. كما هو الحال مع هذه أمة محمد حين تركت الامام علي واستضعفوه ، فما أشبه تلك الأمة بهذه الأمة ، ولهذا التشابه تعرف الحكمة من تكرار قصة موسى وأخيه هارون مع قومهما بني اسرائيل في القرآن الكريم وسأفرد موضوعا مستقلا حول وجه التشابه بين الأمتين أمة موسى وأمة محمد إن شاء الله تعالى .
جاء في الحديث الصحيح، وفي الحديث الذي رواه أحمد ومسلم عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً: {إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من بني إسماعيل كنانة، ثم اصطفى من كنانة قريشاً، ثم اصطفى من قريش بني هاشم، ثم اصطفاني من بني هاشم ، فعجبي لهذه الأمة .. رسولها يقول لها بأن الله اصطفى بني هاشم من قريش فترفض ما اصطفاه الله وتأخذ بما اصطفاه الناس .
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين
وبهذه الحلقة نختم هذا الموضوع راجيا أن يكون لله فيه رضا ولنا ولكم فيه خير وصلاح .
محبكم صالح عبدالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق