الحلقة السادسة :
بما أن الإمامة أصل من أصول الدين ، والأصل يستدل عليه بآية محكمة لا بآية متشابهة فلماذا لا توجد آية محكمة تذكر اسم الامام علي صراحة بالامامة مع باقي الأئمة عليهم السلام ؟
الجواب :
إن الله تبارك وتعالى قد تعهد بحفظ القرآن الكريم ، واقتضت حكمته أن يكون حفظ القرآن الكريم بالأسباب الطبيعية لا بالاعجاز بحيث لو أراد شخص أن يمحو كلمة أو يزيد كلمة في القرآن تشل يده أو تقف وإن كان الله قادر على ذلك ولو شاء لفعل ، ولكن اقتضت حكمته وارادته أن تجري الأمور بأسبابها . ومن ضمن هذه الأسباب الطبيعية لحفظ القرآن الكريم هو عدم ذكر أسماء الأئمة إذا كان في سابق علمه بأن أغلب الأمة لن تتمسك بالعترة بل ستذهب إلى أكثر من ذلك وهو تصفيتهم ومحاربتهم وهذا بالفعل ما حصل .
وأي قاريء للقرآن الكريم قد لاحظ هذا الأمر جليا حيث لم يتعرض القرآن لذكر الأسماء عدا زيد في قضية خاصة ومن أجل تشريع خاص ، إذن يا ترى ما الحكمة من ذلك ولماذا ؟
الحكمة في عدم ذكر اسم الامام علي وباقي الأئمة عليهم السلام في القرآن الكريم هو لأسباب منها :
1- حفظ القرآن الكريم من التحريف ، فلو ذكر اسم الإمام علي عليه السلام صراحة في القرآن الكريم لمحوا حاسديه اسمه أو حرفوه وأولوه .. ودليل ذلك هو ما تعرضت له السنة الشريفة .. انظر إلى الأحاديث التي ذكر فيها اسم الامام علي عليه السلام ، إما أنها تعرضت للحذف أو للتضعيف أو للتأويل أو تحريف معناها .
2- حفظ الامام نفسه وباقي الأئمة عليهم السلام بالسنن الكونية الطبيعية وهذا يقتضي عدم ذكر أسمائهم في القرآن لأن ذكرهم بالأسماء يسهل على حكام بني أمية وحكام بني العباس معرفتهم والتخلص منهم بل وقطع نسلهم ، إلا بتدخل الاعجاز كما هو الحال مع آخرهم وهو الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف حين انحصر الأمر في ابقائه حيا بهذه الوسيلة كي لا تخلو الأرض من حجة .
3- حفظ الاسلام نفسه ورفع الحرج عن المسلمين .. فلو ذكر اسم الإمام علي في القرآن لأصبح منكره كافرا ظاهرا ومرتدا مجاهرا لا مجال لحمله على غير ذلك لأنه قد أنكر آية محكمة ولا مجال لحمله على الشبهة حينئذ فلذا وجب قتاله .. ولو حصل القتال بين الرعيل الأول في الاسلام لضاع الاسلام بأكمله خصوصا أنهم حديثي عهد بالاسلام بالاضافة إلى خطر اليهود والمنافقين من الداخل وخطر العدو الخارجي من الفرس والروم الذين يتحينون الفرص للقضاء على هذا الدين الجديد .
فجاء دور قانون التزاحم بين حفظ القرآن وحفظ الأئمة عليهم السلام وحفظ الاسلام وبين ذكر الاسم بالتصريح وذهاب الجميع ، فآثر الله تبارك وتعالى الأول على الثاني لتبقى طائفة من هذه الأمة قائمة بالحق كما وعد رسول الله في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) ، وهذا إخبار جلي واضح منه عما ستؤول إليه الأمة من بعده حيث لن تبقى من هذه الأمة إلا طائفة واحد لتكون انموذجا يقتدى بها وحجة قائمة لمن يريد طريق الحق إلى أن يأتي أمر الله وذلك بعودة آخر الأئمة وهو الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بإرجاع الأمة إلى المنهج الصحيح وإلى الإمامة التي تنكرت لها هذه الأمة لما يزيد على 1400 سنة حتى ملأت الأرض ظلما وجورا بسبب منهج الانحراف والجفاء للعترة الطاهرة عليهم السلام .
ولذا اقتضت الحكمة والمصلحة الاكتفاء ببيان اسم الامام علي عليه السلام في السنة الشريفة بشكل ظاهر وعام للأمة كما حصل في غدير خم ومواقف كثيرة ، فإن أطاعته هذه الأمة وزال الخطر ذكر لهم أسماء باقي الأئمة عليهم السلام بشكل عام وظاهر وإن خالفوه اقتصر ذكرهم لخاصة الخاصة للحفاظ عليهم من ملاحقة حكام الجور من بني أمية وبني العباس وتصفيتهم .
وبهذا المنهج القويم والحكيم يتحقق الجمع بين كمال التبليغ والقاء الحجة على الأمة وبين حفظ القرآن الكريم وحفظ الأئمة عليهم السلام وحفظ الاسلام وحفظ الطائفة القائمة بالحق لا يضرهم من خالفهم ، وهنا تكمن روعة جمال الباري عز وجل في حكمتة البالغة ورحمتة الواسعة ولطفه العظيم بهذه الأمة وبخلقه وعباده .
وقد يسأل سائل .. هل هناك فعلا شواهد تاريخية تدل على أن بعض الصحابة والأمة صدر منهم ما يدل على هذا الحسد والبغض والمناجزة والكراهية للإمام علي ولباقي العترة عليهم السلام حتى استوجب كل ما ذكرناه ، هذا ما سنجيب عنه في الحلقة الآتية بإذن الله ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق