ذكرنا سابقا بأن هناك منهجان للأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهما :
1- منهج الامامة المعصومة .
2- منهج الخلافة .
ولكي تعرف أخي السني العزيز أيهما هو المنهج الصحيح ننظر إلى نتائج تطبيق هذا المنهج فإذا كانت النتائج على ساحة الواقع حسنة فهذا دليل على صحة هذا المنهج وإذا كانت نتائجه سيئة فهذا يدل على أن المنهج غير صحيح يجب إعادة النظر فيه واستبداله بالأفضل والصحيح وهذا هو سر نجاح الأمم وتقدمها وهو عملية التغيير إلى الأفضل وعدم التعصب والتمسك بمنهج خاطيء وهذا هو مصداق قوله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، وبما أن المنهج الذي طبق على ساحة الواقع هو منهج الخلافة وليس منهج الامامة المعصومة . فدعنا ننظر ونرى معا ما هي تلك النتائج التي تمخضت عنه هذا المنهج :
1- فتنة السقيفة وفتنة الخلافة وفتنة دم عثمان وبسببها زهقت أرواح عشرات الآلاف من الصحابة .
2- تمكين الطلقاء من بني أمية من الحكم وهم الذين قد حاربوا الاسلام وهم خارجه حتى دخلوه عنوة ، وأعادوا الكرة مرة أخرى لينتقموا منه وهم داخله والدليل على ذلك هو قتالهم خليفة رسول الله الحق وهو علي ابن أبي طالب عليه السلام ثم قتال ولديه الامام الحسن والامام الحسين عليهما السلام لينتقموا من رسول الله في ولده وأهل بيته ، والدليل الآخر على الانتقام هو تحويل الخلافة من حكم الشورى إلى حكم الملك العضوض وهذا أكبر ثلمة وأعظم بدعة في الاسلام .
3- افتراق الأمة واختلافها في منهج العبادة حتى كفر بعضهم بعضا وما زال الخلاف قائما إلى يومنا هذا .
4- فشل الأمة الاسلامية في عرض الأسلام الأصيل على الأمم الأخرى وتخلف الأمة حتى صارت آخر الأمم تستجدي الأنظمة من سائر الأمم بدل أن نصدر لها أنظمة السماء ، ونحن نملك أعظم كتاب وأعظم رسول وأعظم دين .
5- فشل الأمة الذريع في نزع حقها وقبلتها الأولى من أيدي الصهاينة ليكون وصمة عار في جبين الأمة نتيجة الضلال والانحراف عن المنهج الصحيح الذي رسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والذي لطالما أنذرهم وحذرهم بوصيته التي قال فيها ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) . ومخالفتهم لتحذير القرآن في قوله تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .
وأعتقد أنك أخي السني ترى اليوم حال الأمة من الفرقة والتشنج والتنازع والقتال وكأن السيف لا يعمل إلا في رقاب هذه الأمة وبدل أن نقاتل عدونا المشترك وهو اسرائيل وننتزع منها حقنا المسلوب عملنا العكس تماما حمينا حدودها وكفيناهم أنفسنا شر القتال وهم يتضاحكون ويهزؤون من هذه الأمة ، بل ويخططون لنا كيف نقتل بعضنا بعضا ، والأدهى من ذلك والأنكى نذهب نحن بأنفسنا إليهم نستشيرهم كيف نقتل بعضنا ، فهل هناك مهانة وحماقة أكبر من هذا الحال وكل ذلك هو نتيجة طبيعية للخطيئة الأولى التي ارتكبتها هذه الأمة وهو ترك وصية نبيها .
فبعد كل هذه النتائج السلبية وجب على الأمة أن تعيد النظر في منهجها واستبداله بالأفضل وذلك عن طريق العلم والمعرفة بمصدريه الشريفين الكريمين القرآن والسنة ، ولا عيب في ذلك بل هو المطلوب قرآنيا ونبويا .
الآن تعالى معي أخي السني نفترض بأن الأمة طبقت المنهج الآخر ، منهج الامامة المعصومة ودعنا نرى سويا ماذا سيحصل لهذه الأمة لو أنها فعلا طبقت هذا المنهج :
1- سلامة الشريعة من كل زيادة أو نقصان أو تحريف لأن الامام المعصوم سيبلغ عن رسول الله كما أراد الله وكما أراد رسوله من غير سهو ولا نسيان ولا اشتباه ، وبذلك تتساوى الأمة أولها مع آخرها في الحجة البالغة عن طريق التبليغ المعصوم .
2- سلامة الأمة من فتنة السقيفة وفتنة الخلافة وفتنة دم عثمان والتي ذهب بسببها أرواح عشرات الآلاف من الصحابة لأن الامام المعصوم سيكون عاصما للفتن والخلاف لأنه يملك كملة الفصل بين الأمة .
3- سلامة الأمة من الفرقة والنزاع والاختلاف .. لماذا ؟ لأنهم إذا اختلفوا في شيء ردوه إلى المعصوم الذي يملك كلمة الفصل وبذلك يرتفع الخلاف .. وهذا بالضبط ما كان يحصل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين يختلف الصحابة سرعان ما كان يزول ذلك الخلاف بمجرد عرضه على رسول الله .. لماذا ؟ لأنه المعصوم الذي يملك كلمة الفصل ، الفرق أن رسول الله معصوم يبلغ عن (الله) والامام معصوم يبلغ عن (رسول الله) ، وهذا بالضبط ما ينطبق على قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علي ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ، لماذا استثنى النبوة ؟ لأن النبوة خاص بالوحي والوحي قد اكتمل وختم برسول الله فلا حاجة للنبوة وإنما الحاجة للإمامة من أجل اكمال التبليغ لباقي الأمة التي ستأتي بعد رسول الله خصوصا في الأمور المستجدة عبر تطور الزمن ، كما أن الأمة بحاجة إلى القيادة السياسية من أجل نشر الاسلام لسائر الأمم وإدارتها ادارة اسلامية صحيحة كما أن الأمة بحاجة إلى القدوة والممثل لخليفة الله في الأرض من أجل الهداية والانقياد في القول والعمل ، وهذا ما تعبر عنه هذه الآية الشريفة ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) ، انظر إلى التفاسير لترى بنفسك ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن هذه الآية الشريفة ، حين وضع يده على صدره ووضع يده الأخرى على كتف الامام علي وقال أنا المنذر وعلي هو الهادي .
4- بتولي الامام المعصوم قيادة الأمة السياسية فلن يكون لبني أمية أي مجال في الحكم إلا من صلح منهم واستقام وبالتالي ستسلم الأمة من ثلاث معارك طاحنة صفين وكربلاء وواقعة الحرة التي أودت بعشرات الآلاف من الصحابة وأهل بيت النبوة .
5- سلامة الدماء الزاكية من آل محمد من السفك ابتداء بابنته الطاهرة فاطمة الزهراء وروحه التي بين جنبيه ووحيدته ومن بعدها الامام علي والامام الحسن والامام الحسين في واقعة الطف الأليمة ، وبعبارة أخرى سلامة دم أصحاب الكساء عليهم السلام ، ودماء باقي العترة الطاهرة عليهم السلام .
إلى جانب هذا كله ستكون الأرض غير الأرض والأمة غير الأمة فلا أمريكا تعبث بمقدرات الأرض كما تريد ولا روسيا ولا أوروبا ولا دول كبرى لأن الدولة الكبرى الوحيدة ستكون دولة الاسلام فقط . ولك الحق أن تقول بأنك مبالغ ، ولكن دعنا نرجع إلى نبينا الأكرم ونرى هل أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى من قريب أو من بعيد ؟
الجواب : نعم ، وذلك في الحديث المجمع عليه في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تقومُ الساعةُ حتى تُملأَ الأرضُ ظلمًا وعُدوانًا ، ثم يخرج رجلٌ من عِترتي ، أو من أهلِ بيتي يملأُها قِسطًا وعدلًا ، كما مُلِئتْ ظُلمًا وعُدوانًا ) ، الراوي أبو سعيد الخدري ، المحدث الألباني ، المصدر صحيح الجامع ص 5304 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين .
الحديث يحوي ثلاث مفاهيم ، المفهوم الأول حتمية خروج الامام المهدي وأنه من أهل بيته وعترته ، المفهوم الثاني هو أنه سيملأ الأرض قسطا وعدلا .. بأي شيء ؟ طبعا بالرجوع إلى وصية رسول الله التي هجرتها الأمة وتركتها وهي التمسك بالثقلين (الكتاب والعترة) الذي يمثل منهج الامامة المعصومة ، وقد يسأل سائل لماذا يلزم أن يكون معصوما ؟ الجواب : لأن الكتاب معصوم فلزم أن يكون حامله ومبلغه معصوم وإلا انخدش عصمة الكتاب باشتباه التأويل وانحراف المعنى عن حقيقته إذا كان حامله ومبلغه غير معصوم لأنه قد يشتبه فيبلغ برأيه ومراده بدل أن يبلغ مراد الله ومراد رسوله ، وقد شرحنا سلفا في الحلقات السابقة هذا المعنى . والمفهوم الثالث في الحديث هو وصف رسول الله حال الأمة التي ذكرناها في الخمس نقاط أعلاه ، وذلك نتيجة ترك الأمة للأئمة والعترة ، والحديث الشريف هو وصف دقيق لحال الأمة قبل الامام المهدي وهو امتلاء الأرض ظلما وجورا مع وجود الكتاب والسنة وعلمائها ووصف دقيق لحال الأمة بعد خروج الامام المهدي وهو امتلاء الأرض قسطا وعدلا .. ماذا يدل هذا ؟ الجواب .. يدل هذا على أن القسط والعدل مرهون بالكتاب والعترة ، وبعبارة أخرى الرجوع إلى وصية رسول الله بالتمسك بالثقلين .. ولو أن الأمة التزمت بهذه الوصية لوفرت على نفسها كل هذا العناء والظلم والجور والدماء ولما ضلت وتأخرت حتى صارت آخر الأمم .
بقى سؤال قد يطرحه أخي السني ويقول .. ماذا سيحصل وماذا سيغير من واقع هذه الأمة لو أني آمنت بأن الامام علي ابن أبي طالب وأولاده هم الأحق بالخلافة من غيرهم .. فهل سيعود التاريخ إلى الخلف ويعود الأئمة ليحكمون والحال أن الأمر قد انتهى ومضى زمانه وأهله ؟ هذا ما سنجيب عليه في الحلقة الآتية إن شاء الله .