بعد مرور أكثر من أربعة شهور مع الجائحة تبين جليا للجميع بأن الحماية الفردية لم تجدي نفعا في التصدي لهذه الجائحة أو حصر انتشارها، فكم رأينا من أشخاص قد التزموا بكل تفاصيل الحماية ولكن للأسف نالهم ما كانوا يحذرون، مما اتضح أهمية العمل الجماعي، وتخلف فرد واحد كاف أن يهدم مجتمعا بأكمله، كما هو الحال مع السد وهو يتصدى الفيضان فجميع صخراته الصامدة لا تجدي نفعا وهناك صخرة واحدة قد تحركت من مكانها فألف صخرة لا يمكنها أن تحل مكان تلك الصخرة أو تسد ثغرتها، وهذه الثغرة كافية أن تغرق بلدا بأكمله، وما هذه الجائحة إلا درسا أراد الله تعالى أن يعرف الناس على قيمة العمل الجمعي للأمة، فكونك تقوم بالواجبات على أكمل وجه وتهذب نفسك هذا لا يعني حماية بيتك من خطر الفساد الذي يحوم حوله أو يحوم في مجتمعك أو حتى المجتمعات الأخرى البعيدة من أن يدخل يوما ما إلى دارك، فمن كان يصدق بأن الجائحة التي كانت تحوم في شوارع الصين البعيدة بآلاف الأميال، وإذا بها تحوم اليوم في شوارعنا وبيوتنا .
وبعد أن فشل المختصون في القضاء عليه خرجوا بمقولة تعايش مع المرض، فهل التعايش سيزيل المرض؟! أم أنه تبليد للحس، كما حصل للمنكر حين صمت عنه المجتمع لسنين طويلة وتعايش الناس معه إلى أن تحول المنكر معروفا، وتبلد الحس عنه حتى صار مألوفا، وتمزقت أستار الحجاب في آخرمعقل له حتى أصبح مخطوفا، فهل تعايشنا مع المنكر أزال المنكر؟!
إذا ما هو الحل يا ترى؟!
الحل في قوله تعالى (وتواصوا بالحق)، سواء كان هذا التواصي لحفظ الجسد أم كان هذا التواصي لحفظ الروح، أما في حال تركنا هذا التواصي لا سمح الله فإن المصير الحتمي هو الخسران المبين شئنا أم أبينا، وقد أقسم الله تعالى على ذلك قائلا (والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، فتبين من الآية الكريمة بأن الاستقامة الفردية غير آمنة من الخسارة ما لم تتضمن التواصي الجمعي بالحق، وها نحن اليوم نرى ما حل بالعالم من خسارة فادحة على المستوى الجسدي وقد رصدها الإعلام بالأرقام، في حين خسرت الإنسانية أضعاف ذلك العدد على المستوى الروحي ولكن من غير أن يرصدها الإعلام بالأرقام، وعليه إذا أرادت الانسانية حياة طيبة آمنة فلا بد لها من التواصي بالحق والتآمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستويين حفظ الجسد وحفظ الروح ولكن بالأسلوب الأجمل والطريق الأمثل في التواصي، فإذا رأيت من أخيك ما يخالف حماية الانسان على المستوى الجسدي أو الروحي فلا تصمت وذكره بالمخالفة ولكن بأسلوب الحكمة واللطف، وبهذه الطريقة ترتقي الحماية الجماعية على المستويين الجسدي والروحي نحو مجتمع أفضل وحياة أجمل وأمان أكثر . دمتم مع دروس السماء .
صالح الرستم
7 ذو القعدة 1441
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق