الثلاثاء، 21 يوليو 2020

قراءة في كتاب نفسك


معرفة النفس بوابة لمعرفة الله، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام (من عرف نفسه فقد عرف ربه)، وبما أن معرفة النفس مقدمة لمعرفة الله التي هي غاية الوجود، فبذلك تكون القراءة في كتاب النفس ومراجعته من وقت لآخر من أهم القراءات ومدخل الخير والبركات . 

السؤال .. كيف تقرأ كتاب نفسك، وهل قراءته سهلة وميسرة؟ 

الجواب .. 

نعم قراءته سهلة وميسرة، لأن الذي يريدك أن تعرفه هو الذي سيعرفك نفسه، ففي دعاء أبي حمزة الثمالي (بِكَ عَرَفْتُكَ، وَأَنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ ودَعَوْتَنِي إِلَيْكَ، وَلَوْلا أَنْتَ لَمْ أَدْرِ ما أَنْتَ.)، وهو أقرب إليك من حبل الوريد،  وسيريك فضله وإحسانه في كل خلية من خلايا جسدك ومع كل نفس من أنفاسك ومع كل لمحة نظر إلى أحبابك، ومع كل همسة صوت تداعب أسماعك، ومع كل نعمة أنعم بها عليك، وإذا تبلد حسك يوما ما عن هذه النعم فما عليك إلا أن تغمض عينيك وتسأل نفسك ماذا لو استمر بي الحال فمن يُعيد لي البصر؟ وهكذا افعل مع سمعك واغلق أذنيك واسأل نفسك ماذا لو استمر بي الحال فمن يُعيد لي السمع؟ لتعرف بعد هذا التدريب كم هي نِعَم الوَهَّاب عليك، فكلما تعرفت على عجزك دفعك ذلك إلى ربك ليعرفك على صفة من صفاته كي تسد بها ذلك العجز، وبما أن عجزك يلاحقك في كل شيء فكيف لا تحتاج إليه في كل شيء، فجهلك يدفعك إلى إسمه العليم لتسد به جهلك، وفقرك يدفعك إلى إسمه الغني ليسد به فقرك، ومرضك يدفعك إلى إسمه الشافي ليرفع به مرضك، فبعدد أسمائه وصفاته أنت تحتاج إليه كي تتعرف على مدى نقصك وفقرك وحوائجك من جهة ومن جهة أخرى تتعرف على كمالاته التي تستمد منها لسد نقصك وتصلح بها عيبك وتتكامل بها نفسك، فأي نعمة انت فيها أيها العبد المدلل، وكل أسمائه وصفاته قد خلقت من أجلك، ولو بقيت العمر كله تعدد نواقصك وعيوبك وحوائجك وفقرك إليه فلن تحصيها، بل ستلاحقك حتى في عالم البرزخ وفي عالم الآخرة ولن تزال تتعرف على ربك من خلال نقصك ومن خلال عجز نفسك وفقرك إليه، والله تبارك وتعالى اللطيف الخبير بعباده لم يوجد ذلك النقص فيك رغبة بمقدار ما هو جذبة ومحبة، هكذا يؤدب الحبيب حبيبه، وهو القائل في الأثر: عبدي وحقي أنا لك محب فبحقي عليك أحبني، فهل تجد حبيبا أكثر حبا منه، وقد جربتَ أحبابك في كثير من المواقف وقد أسلموك، بينما هو لم يدعك في كل المواقف، لأنه حبيبك الأول وحبيبك الآخر، وإذا ذهبتْ بك الغفلة بعيدا عن شاطيء رحمته، عالجك بلطفه ونبهك ببلية تحسبها ألم ولكنها في الباطن بلسم لتعود إليه، فلا تخف ما دامت الحجب بينك وبينه لم تبلغ بك المهالك ولم تطفءِ فيك قناديل المسالك، ومع ذلك لم يهملك وقد جعل في نفسك رسول ينبهك في الخطرات ويرشدك بالحجج الواضحات، وقد عقد في نفسك محكمة الضمير، لتحاكم فيها صور أفعالك وأقوالك قبل أن تحاكمك هي في عالم الشهود يوم الورود، فيُقال لك: إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، لذا اقرأ كتاب نفسك اليوم جيداً قبل أن تأتي  غدا وأنت تقول يا ليتني لم أوتَ كتابية . 

إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلا، ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولا... يا من أنوار قدسه لأبصار محبيه راتقة، وسبحات وجهه لقلوب عارفيه شائقة، يا منى قلوب المشتاقين، ويا غاية آمال المحبين، أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يوصلني إلى قربك، وأن تجعلك أحب إليَّ مما سواك . 

✒️ صالح الرستم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق