الجمعة، 28 يونيو 2013

وجه التشابه بين أمتين 8

الحلقة الثامنة : 

وجه التشابه بين أمة النبي موسى عليه السلام وأمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

قال الله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تكونوا كالذين أذوا موسى ) .

فالآية الشريفة واضحة جدا في تحذير الصحابة من أذية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما آذى قوم موسى نبيهم موسى عليه السلام خصوصا في قضية الانقلاب وترك اتباع وصيه هارون ، وقد أراد الله أن ينبه هذه الأمة بالاشارة إلى هذا التشابه لأخذ العظة والعبرة من تلك الأمة المماثلة ، ولكن للأسف مع كل هذا التنبيه وهذا التحذير إلا أن هذه الأمة وقعت في نفس ذلك المحذور وآذوا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالانقلاب على وصيه واتباع غيره ، كما آذوه أيضا بحالة الجفاء والاقصاء للعترة الطاهرة وقتلهم وملاحقتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ) .
وتعبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه العبارة (حذو النعل بالنعل) هو كناية عن دقة التشابه بين الأمتين .

وإليك أخي الكريم بعض المصاديق لوجه التشابه بين الأمتين تصديقا لكتاب الله العزيز وتصديقا لقول رسوله الكريم وهي كما يلي :

1- الاستضعاف
* أمة موسى ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) .
* أمة محمد ( والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) .

2- الهجرة
* أمة موسى ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى )
* أمة محمد ( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) .

3- الابتلاء
وقد تعرض أتباع النبي موسى عليه السلام في مصر إلى العذاب – كما تعرض أتباع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة إلى العذاب.

* أمة موسى ( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) .
* أمة محمد ( هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) .

4- الافتتان
* أمة موسى ( قال فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ) . وفي موضع آخر ( قالوا ما اخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ) .
* أمة محمد ( ألم .. احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) . وفي موضع آخر ( وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ) .

5- تشابه في صور جهادية :

(أ) انقسم قوم موسى عليه السلام إلى فئتين عندما أمرهم بقتال الجبابرة في معركة العودة إلى وطنهم :
الفئة الأولى مخذلة ( قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) .
والفئة الثانية مؤيدة ومشجعة ( قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) .
وهكذا حصل لأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما شاورهم في قتال قريش في معركة بدر حيث انقسموا إلى فئتين :
الفئة الأولى مخذلة ، حيث قال رجل منهم : يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئة الحرب، وقال رجل آخر نفس مقولة الأول ، أي نفس ما قالته المخذلة من قوم موسى عليه السلام .
والفئة الثانية مؤيدة ومشجعة وهما رجلان من الصحابة المقداد وسعد ابن معاذ نفس ما قاله الرجلان من قوم موسى عليه السلام كما في قوله تعالى ( قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ) .
قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقنا، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )، ولكنّا نقول: امض لأمر ربّك فإنّا معك مقاتلون، فجزاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيراً على قوله ذاك .
وقام سعد بن معاذ ـ وهو من الأنصار ـ فقال: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، إنّا قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله، فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله عزّ وجلّ أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله .

فسبحان الله ما أشبه هذه الصورة بتلك . وكأن الله سبحانه وتعالى أراد من هذه الأمة أن تستفيد من صور التشابه لأخذ العظة والعبرة والمعرفة التامة والقراءة الصحيحة لمواقف الرجال وجلاء الحقائق في مواقف الامتحان والابتلاء ليدركها كل من له أذن واعية وبصيرة ثاقبة .

(ب) تشابه العدد في الجهاد الأول
قاد طالوت جيشا من بني إسرائيل بأمر نبي لهم عدده (313) فردا , وكان عدد المسلمين الذين شاركوا في معركة بدر (313) فردا, وسيكون عدد قادة الجيش للإمام المهدي عليه السلام أيضا (313) قائدا . فسبحان الله حتى في هذه الجزئية جاء التشابه .

6- الانقلاب
* أمة موسى عليه السلام ( فرجع موسى إلى قومه غضبان اسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فاخلفتم موعدي ) .
* أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) .

7- شخصيات مقربة تستفيد من مكانتها وتقود الانقلاب
* في أمة موسى ( قاد الانقلاب السامري ) ، وهذا الرجل لم يكن انسانا عاديا بل كان من المقربين من موسى عليه السلام وكان على قدر كبير من العلم ، وذكرت بعض الروايات بأنه ابن خالة موسى والعجيب في هذا الرجل كما ذكرت بعض الروايات بأن أمه تركته في مغارة جبل وهو طفل صغير وأغلقت فوهة المغارة بصخرة خوفا عليه من فرعون ومن آفات البراري فكان جبرئيل يأتيه ويغذيه حتى كبر وشاء القدر أن يربي فرعون نبي الله موسى ، والسامري يربيه جبرئيل والنتيجة : نبي الله موسى رباه عدو الله فأصبح نبي الله ووليه ، والسامري رباه جبرئيل وأصبح عدوا لله ، فسبحان الله للدهر مواعظ وحكم ومن شاء ارعوى وفهم .

* وفي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم نفس الصورة ، حيث  قاد الانقلاب أصحاب مقربون منه بعد أن رباهم وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف أمثال بني أمية ، وهناك أصحاب رباهم المجوس وعباد النار والمشركون وأصبحوا فيما بعد من أورع وأتقى الأصحاب أمثال سلمان الفارسي وبلال ابن رباح رضي الله عنهما ، فسبحان الله ما أدقه من تشابه .
فمن أراد الحقائق الناصعة لهذه الأمة عليه أن يقرأ بعين البصيرة ما جرى لأمة موسى عليه السلام ويطابقها مع ما جرى لهذه الأمة ليرى شمس الحقيقة تشرق من ذلك الأفق البعيد .

وبهذه الحلقة نختتم هذا الموضوع راجيا أن يكون لله فيه رضا ، ولكم ولنا فيه خير وصلاح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق